السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | فهد بن عبدالله الصالح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة - الأديان والفرق |
وماذا سيقول -صلى الله عليه وسلم- لو خرج بيننا ورأى من يسبها ويشتمها ويلعنها ويعتبرون ذلك عقيدة لهم؟! ماذا لو علم عن الاحتفال الكبير الذي أقامه رافضي زنديق فاجر في لندن في منتصف الشهر الفضيل بمناسبة تاريخ موتها، كلُّه لعن وسب وشتم وجزم بأنها من أهل النار، وجمع في حفله المشؤوم كل من على شاكلته؛ ليسمعهم شتائمه وسبابه...
الحمد لله الذي حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلنا من الراشدين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]
أيها المسلمون: حديثنا اليوم عن عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نتكلم اليوم عن أم المؤمنين، فقط المؤمنين، أما غيرهم فليست أمًّا لهم، نتكلم اليوم عن عائشة ابنة الصديق -رضي الله عنه- التي فضلت على النساء كتفضيل الثريد على سائر الطعام، إنها حبيبة نبي الله، من طعن بها فقد طعن بالنبي، ومن طعن بالنبي فقد طعن بمن أرسل النبي، وهو الله -جلا وعلا-.
وقد رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام قبل زواجه بها؛ ففي الحديث عنها -رضي الله عنها- قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، جَاءنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ -أي قطعة من الحرير-، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتَكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ. فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ". رواه مسلم وغيره. فزوجه الله إياها.
وهي -رضي الله عنها- أحب الناس إليه؛ فحين سئل: من أحب الناس إليك؟! قال: "عائشة"، قالوا: ومن الرجال؟! قال: أبوها، وما كان سيدنا ونبينا -صلى الله عليه وسلم- ليحب إلا طيبًا.
وماذا سيقول -صلى الله عليه وسلم- لو خرج بيننا ورأى من يسبها ويشتمها ويلعنها ويعتبرون ذلك عقيدة لهم؟! ماذا لو علم عن الاحتفال الكبير الذي أقامه رافضي زنديق فاجر في لندن في منتصف الشهر الفضيل بمناسبة تاريخ موتها، كلُّه لعن وسب وشتم وجزم بأنها من أهل النار، وجمع في حفله المشؤوم كل من على شاكلته؛ ليسمعهم شتائمه وسبابه، تبًّا له سائر الدهر، شأن هذا الشقي شأن من سخروا بنبي الله من خلال الرسوم الساخرة من قبل، وشأن صليبي حاقد هم أن يحرق ما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه، إن هذا المجرم الأثيم لو أقام احتفاله بسب زوج أحد من الناس لكان عمله قبيحًا، فماذا لو كان في زوج نبي كريم، بل خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-؟!
إن هذا الفعل الشنيع ما كان ليصدر إلا من فكر حاقد ومذهب باطل وتوجه فاسد، إنه العداء السافر لكل ثوابت الأمة، وقد أحدثت تلك الإساءة الإجرامية ردود غاضبة وقوية من جميع الغيورين في الأمة.
معاشر المؤمنين: نشأت عائشة في بيت صدق وإيمان؛ فأمها صحابية، وأختها صحابية، وأخوها صحابي، وجدها صحابي، ووالدها صديق هذه الأمة.
وقد كانت نعم الزوجة لخير الأزواج، أعطيت حسن خَلق وخُلق، وفصاحة في اللسان، ورزانة رأي، ورصانة عقل، وتحبب إلى بعل، إن غضبت لم يخرجها غضبها عن وقارها وأدبها، كناها النبي -عليه الصلاة والسلام- بأم عبد الله وهي لم تلد له، وكانت -رضي الله عنها- فقيهة الأمة، وكان يرجع إليها الصحابة -رضوان الله عليهم- بدءًا بأبيها أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
وُلدت الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين بمكة المكرمة، وتزوجها -أي عقد عليها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا، ولم يتزوج -صلى الله عليه وسلم- من النساء بكرًا غيرها، وكانت تفخر بذلك، وهي زوجته -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة كما ثبت في الحديث الصحيح.
كان لها -رضي الله عنها- منزلة خاصة في قلب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟! قال: "عائشة"، قال فمن الرجال؟! قال: "أبوها". متفق عليه.
وروى البخاري أنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: "إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ".
كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عالمة مفسرة ومحدثة، تعلِّم نساء المؤمنين، كانت تتصف بالعقل النير، والذكاء الحاد، والعلم الجم.
وكان لها الدور الفعال في خدمة التراث الإسلامي من خلال نقلها لأحاديث رسول الله، وتفسيرها لكثير من جوانب حياته -صلى الله عليه وسلم-.
فقد قال عنها عروة بن الزبير: "ما رأيت أحدًا أعلم بالقرآن ولا بفرائضه، ولا بحلال ولا بحرام، ولا بشعر ولا بحديث، ولا بنسب عربٍ من عائشة".
وقال أبو موسى الأشعري: "ما أشكل علينا –أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علمًا".
قال الأحنف بن قيس: "سمعت خطبة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، فما سمعت الكلام من فِي مخلوق أحسن ولا أفخم من فِي عائشة -رحمة الله عليهم أجمعين-".
ويقول ابن كثير: "لم يكن في الأمم مثل عائشة؛ في حفظها وعلمها وفصاحتها وعقلها".
ويقول الذهبي: "أفقه نساء الأمة على الإطلاق، ولا أعلم في أمة محمد، بل ولا في النساء مطلقًا، امرأة أعلم منها".
نزلت شهادة طهرتها وعفتها من فوق سبع سموات، في آيات تتلى إلى يوم القيامة.
تجاوز عدد الأحاديث التي روتها ألفين ومائة حديث، كانت -رضوان الله عليها- مرجعًا لكبار الصحابة، وكانت تفتي في عهد عمر وعثمان.
نصرت دين الله؛ فكانت تساعد أختها أسماء ذات النطاقين في تجهيز الطعام للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأبيها وهما في الغار عند الهجرة.
أمنا عائشة كانت -رضي الله عنها- قوية في دين الله تعالى، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتغضب لله -عز وجل-؛ تقول أم علقمة بنت أبي علقمة: "رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟!". ثم دعت بخمار فكستها.
أمنا عائشة كانت زاهدة، لم يغرها كونها زوجة نبي، دخل عليها ابن عباس في مرضها ثم زكاها وذكر شيئًا من فضائلها وأعمالها الصالحة، فيا ترى ماذا قالت؟! قالت: "يا ابن عباس: دعني منك ومن تزكيتك، فو الله لوددت أني كنت نسيًا منسيًا".
وقد توفيت –رضي الله عنها- سنة 58هـ، وهي في السادسة والستين من عمرها، وصلى عليها الإمام أبو هريرة -رضي الله عنه-.
رضي الله تعالى عنها وعن جميع أمهات المؤمنين، وصحابة رسوله الأمين، وجمعنا بهم في أعلى عليين، مع النبيين والصديقين والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، وأخزى الله من أساء إليها ولعن من لعنها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: لأزواج رسول الله –صلى الله عليه وسلم– مناقب عظيمة وكثيرة؛ من ذلك أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة إيثارًا منهن لذلك على الدنيا وزينتها، فأعد الله لهن على ذلك ثوابًا جزيلاً، وأجرًا عظيمًا؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 28، 29].
ومن المناقب ثوابهن على الطاعة والعمل الصالح ضعف أجر غيرهن، قال تعالى: (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً) [الأحزاب: 31].
ومن المناقب التي شرفهن بها رب العالمين أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة؛ قال تعالى: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) [الأحزاب: 32].
وطهرهن الله من الرجس تطهيرًا؛ قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
أيها المسلمون: ورد الثناء في الكتاب والسنة على أهل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم– ذكورًا وإناثًا، وأوضح الله أن أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم– في ومنزلة رفيعة؛ قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) [الأحزاب: 6].
أوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مؤمن؛ لما لهن من شرف صحبة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فهذه الأمومة التي يقررها القرآن لزوجات النبي –صلى الله عليه وسلم– ويعممها على جميع المؤمنين، تفرض على من شرفوا بهذه الأمومة واجبات والتزامات يجب أن تؤدى.
من هذه الالتزامات تعظيم قدر أزواجه -رضي الله عنهن-، والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين، والدفاع والذب عنهن، وتبرئة ساحتهن مما ينسب إليهن كذبًا وزورًا.
هذا، وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والملحمة...